dove l'amore
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

dove l'amore

حورية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أبو سِنة (رواية قصيرة)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أحمد منتصر
أعضاء
أحمد منتصر


ذكر عدد الرسائل : 82
العمر : 38
محل الإقامة : طنطا-مصر
الوظيفة : كاتب
تاريخ التسجيل : 01/09/2007

أبو سِنة (رواية قصيرة) Empty
مُساهمةموضوع: أبو سِنة (رواية قصيرة)   أبو سِنة (رواية قصيرة) Icon_minitimeالأحد سبتمبر 02, 2007 10:50 am

[size=24][size=18]1

كان الموقف غريبًا. عظيمًا. جَللا. فجأة انقلبتْ السنة. وصار العبد حُرّا. اختلّ التوازن. وارتجف قلم الرّاوي. عكس السكين الغائر في كرش أبي سنة!.

2

وقف مستندًا بظهره إلى أحد أعمدة مبنى كليته. واضعًا يديه في جيبيّ بنطاله في استهتار. رافعًا إحدى ساقيه مسندًا إياها إلى العمود بباطن حذائه في حركة يراها تميزّه بين أقرانه من الشباب.
هذا هو أمجد. أمجد فاروق الطالب بإحدى الكليّات النظرية التي لا يعبأ بخرّيجيها أحد. الكل يحمل شهادة هذه الأيام. لا فرق بين ليسانس وبكالوريوس إلا بالتقوى!. كان أمجد مستهترًا. مستهترًا في حياته كلها. في الدّراسة. وفي الحب. وفي العمل. عمل أكثر من مرة. أسهل الأعمال في نظره هي التي يجلس فيها العامل على كرسيّ. كما أنها تشجّع على القراءة المتواصلة لدقائق عدّة. أمجد يَعُدّ نفسه مثقفا على درجة كبيرة من الوعي.
عبرت فتاة متبرجة أمامه فغمز لها وقال وهو يميل برأسه:
- عسل والله عسل!.
فابتسمتْ الفتاة ولكزت صديقتها فأبطئتا من سرعتهما في السير استدراجًا لمزيد كلام معسول منه. ابتسم بدوره واسترخى أكثر في وقفته. أرجع رأسه إلى الوراء حتى لامس أكبر جزء منه العمود الهائل خلفه. ثم أغمض عينيه ثوان في رضا.
وهكذا تمضي الأيام!.





3

ذهب أمجد كعادته إلى كليته بعد الظهر كي يقضي عدة ساعات في الفرجة على الفتيات ورمي الكلام عليهن. كان أمجد وسيمًا. متوسط الطول. ملابسه سترة لم يزررها. تحتها فانلة زاهية. أسفلها بنطال قذر نوعًا لا حقيقة!.
فوجىء بطلبة دفعته مجتمعين عند سور الكلية فاستغرب. ثم تذكر شيئا ما فاندفع بينهم ليجد أن نتيجة الفصل الدراسي الأول قد علقت. دفع هذا وذاك كي يرى طمأنينة لنفسه المرتابة حقيقة حياته. أهي نتيجة حياته كلها أم نتيجة عدة شهور من الهُيام على وجهه هنا وهناك وبس!؟.
طالعها فانكبّ هَيمانَ زيادة...
أخذ يسير في الشوارع وأكثر نظراته إلى الأرض وهو في حالة نفسية حرجة. اغرورقت عيناه بالدموع. أحسّ بخلوّ حياته من الهدف. ذلك الهدف الذي يجعل كل إنسان يقوم من فراشه في الصباح الباكر. الهدف الذي يجعل الفلاح يزرع. والخباز يخبز. والمؤذن يرنو إلى نهاية وقت السّحر ليؤذن ويوقظ الجميع.
الهدف...
ما هدف أمجد الآن بعدما رسب في كل موادّ الفصل الدراسي الأول!؟. أيكمل دراسته أم يكتفي بعدّة أعوام في كليتين لا تستهويانه!؟.
راودته أفكاره. وصارعته خلجات نفسه. حتى وصل إلى شارع يستبشر باسمه فيمشي فيه إلى آخره كلما ضاقت به الأرض. وصل إلى نهاية الشارع. وقف واضعًا كفيْه في جيبيّ بنطاله كعادته. أخذ نفسًا عميقا كتمه في صدره لحظاتٍ ثم نفثه في بطء. جول برأسه وعينيه فيما حوله. هذا موقف لعربات السفر. يمكنه أن يرمي بنفسه تحت وطأة أية عربة مندفعة الآن!.
استوقفته يافطة متوسطة الحجم على عمود إنارة أمام مطعم أبي سِنة. إذن هم يطلبون موظفا يعمل على (الكاشير (cash-chair آلة النقد يعني..هممممممممم لا بأس فليعمل...
نعم سيعمل..ولعلّ هذا هو الهدف.
دخل مطعم أبي سِنة فاستقبله من يجلس على آلة النقد تلك. سأله أمجد عن الوظيفة. رد الجالس:
- آهٍ أنت من أجل الوظيفة!. إنها كما ترى شغل على آلة النقد تعمل عليها فترة النهار من السادسة إلى الرابعة. مرتبك سيكون ثلاثمائة جنيهٍ. أسبق أنْ عملت على آلة نقد من قبل؟.
هزّ أمجد رأسه بلا. فاستطرد الجالس ذو الكرش قائلا:
- إذن سأعلمك. ما اسمك؟.
قال أمجد في شرود وهو يفكر في كلام الرجل:
- فاروق..أمجد فاروق. ولكنّ شهرتي فاروق.
سأله ذو الكرش عن شهادته ومكان سكنه. وعن أماكن عمله السابقة. ثم أخذ يشرح لأمجد طريقة عمل آلة النقد قائلا في اعتداد:
- لا تشغل بالك بهذا العدد الكبير من الأزرار الموجودة بآلة النقد. في البداية وغالبًا ما ستتعامل مع عدّة أزرار سأسردها عليك الآن. إنّ عمل موظف آلة النقد يتطلب سرعة في ضرب الأزرار وتحصيل النقود وترتيبها بداخل الآلة. كما عليك أن تكون دحداحًا. أريدك يقظا. انتبه فسوف تقابل لصوصًا كثرَ عند عملك ههنا. وستقابل كذلك المحترمين. كما ستقابل من البشر أصنافا لعلك لم ترها أصلا من قبل. ذات مرة جاءت امرأة برفقة ابنتها وسألتني عن شقة مزاج هنا في العمارة!..نعم كانت تريد تزني والعياذ بالله!. ستقابل كما أسلفت القول أصنافا شتى وأشكالا مختلفة.
ثم دعاه إلى الوقوف بجواره واستطرد قائلا وهو يشير بسبابته:
- كل زرّ في الماكينة ههنا يُشير إلى سلعةٍ ما. فالزر رقم واحد يعني: فرْط. يعني فول سائب أو طعمية سائبة أو أية سلعة أخرى عدا السندوتشات. فمثلا إذا طلب منك زبون بجنيهٍ فولا. فستضغط على أزرار الأعداد على يسارك رقم (100) يعني مائة قرش. ثم زرّ (×). ثم تضرب رقم (1) وهو مسجّل في الآلة بعنوان (فرْط). إذن هكذا سيظهر لك فور ضغطك على زرّ (نقد cash) بطاقة ورقية تخرج من الآلة تعطيها للزبون. وفي نفس الوقت سيُسجَّل ما كتبته بداخل الماكينة في بَكرةٍ ورقية كي أراجع آخر النهار وراءك.
كان المتكلم الجالس هو حمدي الشهير بأبي سِنة. صاحب المطعم المعروف بأبي سِنة. وصاحب مقهى بجوار المطعم كذلك. وما بين المطعم والمقهى توجد بوّابة عمارة أبي سِنة التي يقطن بها.
مكث أمجد بجوار حمدي هذا اليوم واقفا طوال النهار يراقبه وهو يعمل على آلة النقد. كانت طريقة استخدام الآلة سهلة ورتيبة إذا حفظت رقم كل سلعة. كان المطعم يقدّم كل شيء تقريبا. الفول والطعمية. والفول والطعمية بالحُمّص. والشيبسي والبطاطس المهروسة. والغنوج والمسقعة. وجبنة السلطة والشكشوكة. والبيض المقلي والمسلوق والبسطرمة والبيف والبانيه. والجبن الرومي التركي والنستو. ومربى القشدة والمربى السّادة. والقرنبيط. حتى إن المطعم بدأ بتقديم بعض سندوتشات اللحوم كالشاورمة والكفتة والسجق. والكبدة والبرجر والحواوشي. ولا يزيد سعر السندوتش عن جنيهين ونصف الجنيه. وهو سعر الشاورمة. ولا يقل عن نصف جنيه وهو سعر الفول والطعمية.
افتتح حمدي أبو سِنة مطعمه مذ ثمانية سنواتٍ أي قبيل نهاية الألفية. كان عائدًا لتوّه من الإمارات العربية وأراد أن يصنع لنفسه مشروعًا يتماشى مع ثقافته الضّحلة. فهو ذو كرش يعني صاحب مزاج ذوّاقة. شعبيّ السّمت والسجيّة. يحب وضع يديه كأمجد في جيبيْه. بيد أنّ أمجد لمّا يضعهما لا يضعهما كلتيهما. بل يخرج أصبعيه الأول والأخير خارجًا!.
المهم أنّ حمديًا يرى نفسه مُعلمًا عنده قهوته ومطعمه. يتنقل بينهما واضعًا يديه في جيوبه متبخترًا. كان أمجد يتعجّب من حركته هذه. ذلك أنه -أي أمجد- يضع يديه في جيوبه تكلفا. فهل أبو سِنة يفعل ذلك تكلفا كذلك أو هو صَلف فِطريّ!؟.
لم يُشغله حمدي أبو سِنة كثيرًا. ذلك أنّ قرارَ عمله كان من أجل إثبات شيء ما.

4

في اليوم التالي كان أمجد واقفا من السادسة بجوار حمدي أبي سِنة يراقب عمله على آلة النقد. تعب أمجد كثيرًا في ذلك اليوم. تخيّل نفسك تقف يومًا كاملا في عملك ثم تفاجَأ بأنّ صاحب العمل لم يحتسب هذا اليوم ضمن مرتبك. هذا ما فعله أبو سِنة مع أمجد!.

5

في اليوم الثالث بدأ أمجد يجلس بمفرده على آلة النقد الغريبة بالنسبة إليه تلك. كان ناشرًا ورقة أمامه كان قد كتب فيها رقم كل زرّ والسلعة التي يعبّر عنها. كان متوترًا قليلا. بينما كان حمدي أبو سِنة ينط عليه كل فينة متابعًا إياه. كان إحساس أمجد بنظرات الرجل نافذ الشخصية إليه وهو منهمك في مصارعة الآلة يُربكه. كان رأي حمدي في أمجد أنه مازال خامًا لم يحتكّ بالسوق ولم يحترف العمل فيه بعد. كان يقول لأمجد كل يوم هذه العبارة في اعتدادٍ بالنفس لأمجد مقيت:
- ادحدح يا بني قليلا. أنت مازلت خامًا!.
بصور لغوية متعددة ما بين تقديم وتأخير. أو اختصار وتطويل. أو ترغيب وترهيب. كان الأمر بالدحدحة من حمدي لأمجد يعني للأخير تغيير طباعه الثقيلة الباردة التي اعتادها أمجد. وأمجد لا يريد زحزحتها أو المساس بها. أما بالنسبة إلى أنه خام فكان أمجد يهمس في نفسه قائلا وهو ينظر لحمدي من تحت لتحت والأخير منشغل بشيء تافهٍ ما:
- ومن يهتمّ باكتساب الخبرة في عملك يا أحمق!؟.
لولا الاضطرار!. كان يشعر أنه فوق مستوى هذا العمل. فهو يعمل في مطعم. ياللعار!. يعني يُعين الناس على مِلء كروشها المتّخمة أساسًا.
عمله السابق كان في مكتبة. كان مرتبه ضعيفا ولكنه كان يُعين الناس على القراءة. أيّ شيطان خبيث عسعس في دماغه بالعمل ههنا!؟.
في هذا اليوم نفدت الفلوس الفكة من درج آلة النقد. كان يضعها فيه كالمعتاد ولكنّ عددًا من الزبائن جاؤوا بورقات مالية كبيرة قلصت الفلوس الفكة عنده واستنفدتها استنزافا اقتلعها من جذورها ولم تعد لها رائحة بداخل الدرج. طلب من حمدي أن يجلس مكانه أمام آلة النقد ريثما يفكّ ورقة مالية من فئة العشرين جنيهًا. أخذ يلفّ على المحلات محلا محلا بلا فكة حتى وصل إلى بائعي الحُمّص. كان في غاية الحذر منهم. ذلك أنّ حمديًا كان قد حذره من سرقتهم للزبائن عند وضع أياديهم على مبالغ للزبائن كبيرة. طلب من بائعي الحُمّص فكة فتناول أحدهم منه الورقة العشرينية وناوله فكة كثيرة. عشرات الورقات المالية من فئة الخمسة والعشرين قرشا والخمسين. عدّها أمجد فوجدها تسعة عشر جنيهًا!. فنظر لمن ناوله الفكة قائلا:
- هؤلاء تسعة عشر جنيهًا..!.
فاستعجب المُخاطب وقال:
- ياه!..أعدْ عدّهم ثانية هكذا!.
فعاود أمجد تلك العملية الرتيبة وكرر قولته:
- بلى هؤلاء تسعة عشر..ناقص جنيهٍ!.
فأخذ بائع آخر من يده الفلوس تابعٌ للأول فعدّهم في سرعة أذهلت أمجد ثم قال للأول:
- أعطه جنيهًا!.
فأعطاه الأول جنيهًا من فوره على هيئة أربعة أرباع كل ربع من فئة الخمسة والعشرين قرشا. فتناوله أمجد ثم تناول بقية الفكة من الآخر وسار قليلا مبتعدًا عنهم وفي نفسه شك.
توقف فجأة وعدّ الفكة..لقد نقصت خمسة جنيهات!.الأوغاد!. لم يعد إليهم بل اتجه غضبانا مسرعا إلى أبي سِنة وقال وهو يسير:
- ابن الذين سرق مني خمسة جنيهاتٍ!.
فقهقه حمدي أبو سِنة وعجعج وفمه مفتوح على آخره:
- جَرَدُوك!؟.
وصارتْ نكتة!.

6

هذا البعبع المسمّى حمدي أبو سِنة. لم يعد ينزل في السادسة لمباشرة أعماله. بل أصبح ينزل بعدها ليتابع سير العمل في المطعم والمقهى. لكنه كلما اقترب من أمجد اضطرب الفتى خصوصًا وهو يعِدّ الفلوس. دقات قلبه تتسارع..نبضات دماغه الكهرُبائية تبطىء..أي هول هو أبو سِنة!؟.
التزام أمجد بأخلاقه منعه من كيل السّباب. والغيظ كل الغيظ لمّا يكثر الزبائن حول أمجد فيصيح فيه حمدي قائلا:
- قمْ يا فاروق!.
ويجلس مكانه أمام الماكينة الخرقاء في ضيق. وكذلك إذا فعل أدنى غلطة كضرب زرّ خطإ على هاته الآلة العجماء.
أمجد لا يخطىء. هو واثق من هذا ثقته في طلاوة شعره. لكنّ حمديًا عند مراجعته لشغل أمجد آخر اليوم كان يجد عجزًا في الفلوس. جنيهًا أو جنيهيْن. فيوبّخ أمجد توبيخًا كريهًا. لا يظهر في بروده كما لا يظهر ضرب الطفل للرجل البالغ إلا في هزة. هزة طفيفة تظهر لحمدي من قبل صاحبنا مع ابتسامة مجاملةٍ ثابتةٍ. لا تعبّران البتة عن غلّ الواقف وجاه الجالس أمامه يزعق فيه يُحاسبه.
ما مُسيءُ من أعتب. ولكنّ أمجد اعتاد الكتمان اعتياده على الإنصات لوالديْه.
حمدي يظنّ نفسه الكل في الكل. لا ينقضي أمر إلا بمباركته وبصمة يده الخبيرة تزينه. أمجد يكره أمثال حمدي. ذلك أنّ حمديًا في نظره كان عامّيًا جاهلا غير مثقفٍ البتة.
حمدي كان يجلس مكان أمجد أمام الآلة لمدّة ساعة أو زيادة كل يوم. ألم يفكر حمدي في إمكان وقوع غلطة منه في حساب الفلوس فيكون العجز من قبله!؟.
لكنه -أي أمجد- لم يخبره..ربما حتى يظل العجز يتكرّر كل يوم ليُجنّ حمدي ويرتفع ضغط دمه وهو ينثر رذاذ لعابه في الهواء!.


7

العَوَام هم خلافُ الخاصّة. كما في المعجم الوجيز. كان أمجد يرى نفسه من الخواصّ. وكان يرى الخواصّ هم أهل العلم. صحيح أنه ليس من أهل العلم. ولكنه عنده علم. لذا فمن الأنسب نسْبه إلى الخواصّ أهل العلم. وكانت هذه مشكلته. أنه يرى نفسه فوق كل إنسان ليس لديه علم. لذا فأبو سِنة عنده هو أبو جهل آخر!.
اصطحب أمجد معه ذات يوم جريدة الدستور بعد أن صارت يومية. كانت القراءة فيها متعة تتخللها متع. كان مندمجًا معها ومعها مرّ الوقت سريعًا. حتى جاءت الساعة الحادية عشرة فنزل من عليائه إلى الأرض أبو سِنة ليتابع أكل عيشه كما عوّدنا. ففوجىء بأمجد مأخوذا بالدستور مبتسمًا وهو يقرأ مقالا ساخرًا. فاندفع إليه وهو يشيط غضبا:
- هذا مكان شغل لا مكان قراءة!.
وكرمش الجريدة مطوّحًا إياها بالقاسيتين بعيدًا!.

8

كانت الحياة العملية قاسية بالنسبة لأمجد. هو يعلم هذا. ولكنه لن يقف مكتوف اليديْن بعدما منع عنه أبوه المصروف. من أين سيشتري الدستور!؟. من أين سيشتري مياهه الغازية!؟. هذان شيئان أساسيان في حياة أمجد لا غِنى له عنهما.
كان يرجع من عمله في الخامسة. يتغدّى ويقرأ قليلا ثم ينام في الثامنة. ينام قليلا ثم يستيقظ في الرابعة. يصلي الفجر ويغتسل ثم يتناول فطوره ويقرأ قليلا. ثم ينزل قبل السادسة ليدخل فيها إلى عالم أبي سِنة.
حياة كئيبة يتحكم في مقاديرها رجل لا يطاق البتة. يتثاءب كثيرًا وهو واضع يديه في جيبيْه دون أدنى محاولة منه لإغلاق فمه الذي يسحب من الجميع أرواحهم.
تثاءب أبو سِنة تثاءب!. من قدك يا عم!؟.
كان أمجد في البدء لا يأكل من المطعم!. لكنه صار يفعل دفعًا لسخط أبي سِنة. كان أمجد موسوسًا يخاف على صحته الدهر. لذلك كان يحضر معه زجاجة ملؤها مياهُ المرشح في بيته خوفا من مياه الصنبور التي يسمع عن اختلاطها بمياه الصرف الصحي.
اضطر أمجد إلى الأكل من مأكولات المطعم. كان يأكل سندوتشيْن بطاطس شيبسي. واحدًا في الثامنة. والآخر في الواحدة. وفي يوم بعد أكلة بطاطس خفيفة مع السلطة والطحينة. أوجعته بطنه!. كتم الأمر عن أبي سِنة. ودخل الحمّام في المقهى فاكتشف أنّ لديه إسهالا.
خذ عندك يا عم..على رأي زُهرة!.
كانت الحياة العملية قاسية بالنسبة لأمجد. أين الترفيه!؟. إلا إذا كان المزاح مع زيزو ترفيهًا من نوع جديد!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ammymsi.ektob.com
أحمد منتصر
أعضاء
أحمد منتصر


ذكر عدد الرسائل : 82
العمر : 38
محل الإقامة : طنطا-مصر
الوظيفة : كاتب
تاريخ التسجيل : 01/09/2007

أبو سِنة (رواية قصيرة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو سِنة (رواية قصيرة)   أبو سِنة (رواية قصيرة) Icon_minitimeالأحد سبتمبر 02, 2007 10:51 am


9

استيقظت من نومها..في تكاسل. جلست على فراشها ناعسة. أرخت جفنيها وتخيلت نفسها ما تزال نائمة. قلة النوم عذاب كل يوم. لا إجازات لذا كانت تغيب يومًا كل شهر.
انتشلت نفسها وقامت في بطء مجهدة إلى الحمّام. اغتسلت ووضعت الكحل الذي يزيد عينيْها حَوْرًا. خرجتْ من الحمّام محيية والدتها العجوز ووالدها الشيخ:
- أحلى صباح!...
الابتسام بالصبح لا يعني أبدًا أنكِ راضية عن حياتك بالبيت أو بخارجه. ابتسامة غلبٍ في بيت طيني في الرّيف.
حضّرت الفطور لوالديْها. بعض الجبن وبعض شرائح الطماطم. فطور جيّد والحمد لله. بعد تناوله حاولت إيقاظ أخيها عمر الصغير. يرفض الشقيّ. تضربه بكفيها بعد تكويرهما الرقيقتيْن. أخيرًا يستيقظ متأخرًا عن مدرسته. تعدّ له شَقة من الخبز الفلاحيّ الذي صنعته الأم تملؤها جُبْنا. الولد يتذمّر. تضربه ضربة حانية وتذكره بحمد الله.
ترتدي ثيابها. طقم جينز مُكوّن من سُترةٍ وجَوْب ضيق قليلا. تحت السترة كنزة باهتة اللون قديمة. تنزل من بيتها بعد لبس خفيّها. تسير قليلا بجانب الترعة ثم في الطريق السريع. العربات تمر أمامها صواريخ. فالحياة مجرّد ومضاتٍ منها المبهج ومنها المحزن. وعلى كلّ منا تقبل ومضاته بصدر رحب. فإذا ضمّتك ومضة مبهجة فافرح ولكن بقدر. وإذا ضربتك أخرى محزنة فلا تحزن كثيرًا فما أسرع تبدّل الأحوال والخطوب.
جاءت العربة التي تقلّ أهل القرية إلى طنطا. أشارت للتبّاع فنزل:
- هيّا يا آنسة!.
وسرعان ما وصلت إلى طنطا حيث المدينة. زُهرة لا تعرف أنّ طنطا مدينة صغيرة فقيرة حقيرة. ما طنطا!؟. ماذا لو رأت الإسكندرية العروس.
هبطت فمشت مِشيتها البطيئة لضيْق الجَوْب وهي تنظر إلى الأمام كيْلا يظنّ أحدٌ أنها معجبة به إذا نظرت إليه سهوًا.
تصل إلى مسامعها بعض الكلمات عنها. بعضها هامس. بعضها فاجر. قائلوها من طلبة الثانوية العامّة أو الجامعة الرّيفيين. لكنها تحلم بابن الحلال ابن المدينة. تريده موظفا حكوميًا. أو صاحب مشروع تجاريّ صغير تقف فيه بجواره أو خلفه في المنزل لتربّي له عياله فيعود ليلا يقبّل جبينها ويخبرها كم يحبّها.
وعلى فكرةٍ بالأمس قابلت مَنْ تحلم به في المطعم!.

10

كان طيّارًا شابًا وافر الشباب ببزته العسكرية الرّمادية. وسيمًا بسوالف شفافة طويلة. طويلا مع عراضة في المَنكبيْن. حتى أمجد راقبه قليلا. ثمّ راقب تصرّفات زُهرة معه وهي تلفّ له السندوتشات التي طلبها في أوراق وكيْس.
كانت زُهرة خجلة وهي تكلّمه. يمكنك ببساطة أن تكشف الفتاة المعجبة بفتىً إذا ابتدأت معه الكلام بابتسامة ودعابة. لم يسمع أمجد ما قالته للشاب زُهرة. لكنه خمّن أنها داعبته إثر ضحكة لها أتبعتْ جملة منها. كانت تعبّىء له السندوتشات في بطء. تساءل أمجد في نفسه:
- ترى أتستحق الطيار؟ أم هل يستحقها الطيّار!؟.
إنّ زُهرة كما يرى أمجد قلب كبير. كما أنها جميلة لا بأس بها على الإطلاق. إلا إذا كانت لهجتها الفلاحيّة عيب فيها جسيم.
لمَ لمْ تتزوّج بعد!؟.

11

تصل زُهرة إلى مطعم أبي سِنة. تغيّر ملابسها في مخزن المطعم الذي يبعد عن الأول أمتارًا. تعود ممسكة بمحفظتها وهاتفها المحمول. تناول المحفظة لأمجد فيمسكها بيديه يرفعها وينزلها:
- مليئة ما شاء الله!.
تأخذها منه في حزم عُذريّ. تفتحها:
- كلّها أرباع جنيهاتٍ وأنصافها!.
تتركه يستعجب ويثني شفته وهو يضع المحفظة في درج أسفل آلة النقد.
في المطبخ تقطّع الخضروات. جرجير وطماطم. خسّ وبصل. تخرج من المطبخ وعيناها تدمعان. تكفكف دمعها بينا ينصحها أمجد بمضغ عَلكةٍ تجنبًا لهذا السّيل اللذيذ من دموعها الرّقيقة. لا تردّ عليه. أو تردّ:
- علكة إيه يا عم!؟.
أمجد ولد مرفه يضع يديه كالحاج حمدي في جيوبه وكأننا في النادي لا في شغل. عندما تمسح أرضيّة المطعم يثني طرفيّ بنطاله البُنيّ في حذر مضحك. لم يمرّغه مثلها ومثل الجميع ههنا الفقر. لماذا يعمل يا ترى!؟. من المؤكّد أنّ السبب جدّ قويّ. إنّ أمثاله لا تتصوّره إلا كراكب سيارةٍ فخمةٍ يطير الهواء شعوره ساهمًا.
يكفي أنه لم يدخل المطبخ أو المخزن ولو مرّة!.

12

أنا بنت غلبانة. جُلّ ما ترجوه السّتر والعافية من الله القدير. إنّ أسوأ شيء في عملي في أبي سِنة تنظيف الأرض. بممسحة متهالكة أمسح وأمسح مخلفات أحذية الزبائن. أدلق الماء المخلوط بالرّابسو من الجردل. يفزع الزبائن. يقفز أمجد منتفضا في مشهد مضحك. ينهرني الحاج وأنا التي رجوت الانتهاء سريعًا. يبتعد الجميع في تقزز دون مراعاة لمشاعري. ما بالكم تفزعون كالقرود!؟. إنه ماء برابسو لا ضيْر منه. لا حول ولا قوة إلا بالله يا رب!.
ولكنّ أكثر من يغيظني هما الحاج منه لله. يريد الأرض تبرق بالرغم من استعمار الأدران للبلاط بعناد. يا ربي ماذا أفعل!؟.
وأمجد الذي لا ينفكّ يقول كلما مررت بجواره:
- عنكِ يا بنتي عنكِ!.
ولا يفعل شيئا. أكسل خلق الله هو. أحسّ أننا في رمضان لأنه يبدو لي صائما وهو مستند إلى الحائط ساهمًا يتثاءب. لا يتحرّك من مكانه إلا نادرًا. أنا مريضة أأخذ الدّواء. ألم يلحظ كيس الأدوية الذي وضعته يومًا في الدّرج!؟.
الحاج لا أستطيع إغاظته بالمثل. لكنّ أمجد سأغيظه كلّ شويّة.
الحقيقة أني أساعد أسرتي. والدي لم يعد يعمل بالبناء. كبر. والدتي تبيع في السوق الليمون. أخي في الابتدائية يحتاج فلوسًا لمواصلة تعليمه. لكني صراحة أعمل عند أبي سِنة من أجل...
من أجل أن أتزوج!.
احمرار يغلب بياض خدّيها الحمراويْن تتكهّن من بعده أنها تمني نفسها بالزواج من أي زبون تعجبه!.

13

الزمن زمن الشباب. والعصر عصر اللهو. والمكان أرض مصر الملأى بمثله ملايين. يوسف أيها المتمرد احكِ لنا. فضفض ياقة عنقك. أبح لنا النظر في هاتيْن الدّاكنتين..عينيك.
يجهّز شَقة للزبون بعدما يستلم الورقة الخارجة طازجة من ماكينة أمجد. من وراء منظومة زجاجية يعمل منذ الصباح الباكر. لعله اعتاد هذا. هذا التجاهل المقيت من كل زبون له.
كل زبون لا يهمه إلا الحصول على مراده في أسرع وقتٍ. يمدّ له يوسُف يدًا. تلمس جلد الزبون البارد. تعود قابضة على ورقة طلبه فيسأله دون النظر في الورقة عمّا يطلب. يأمره الزبون بتجهير عدّة أصنافٍ. يجهزهم يوسُف بطريقةٍ عنوانها السرعة والرّتابة. يعبّؤهم في كيْس بلاستيكيّ يحمل اسم أبي سِنة. سحقا لقد ارتبط قدره بهذا الاسم!. لعل الأحجى أن يسمّيَ نفسه يوسف أبا سِنة تغليبًا.
طالما تمنى أن يسأله أحدٌ عن حاله. زبون رائق. أو أمجد السّارح. أو زُهرة الطيّبة. أو حتى عمّ سعيدٍ بعد صباح الفل. الناس مهمومون بمصائبهم. إلا أبو سِنة. حمدي هذا مهمومٌ بأشياءَ سخيفةٍ تنغص على الآخرين حياتهم وتحيلها إلى عذابٍ مُقيم.
- أسرعْ بالعمل!. ضع قليلا من الطحينة!. زوّدها قليلا!!.
سحقا له سحقا. ربنا يأخذه!.
ذات صباح ذهب يوسُف إلى العمل متأخرًا. ظلّ يدرس حتى السّحر فراحتْ عليه نومة. عنفه أبو سِنة ووبّخه. ولم تتحرّك شفتا يوسُف. والحق عليه فهو لم يخبر أبا سِنة بأمر دراسته. بل أخبره أنه اكتفى بالثانوية العامّة ليعولَ أسرته. ولأنّ أبا سِنة كان وقتها يريد شبابًا متفرّغا للمهنة لا يغيب يومًا.
والحقيقة أنّ يوسُف مشغول بالدّراسة في كليّة العلوم. بجانب قيامه بعوْل أمه وأخته.
كان يحلم بالالتحاق بكليّة الطب. فشل. لأنه لم يتعاط الدّروس الخصوصيّة لفقره. لم يدفع مصاريف السّنة الأولى بكليّة العلوم. لم يستطع الجمع بين العمل والدّراسة.
يومئذٍ نهره أبو سِنة وخيّره بين ترك العمل أو الالتزام بمواعيده. انسحب يوسُف وهو يغلي كمدًا في ضيق.

14

عمّ سعيدٍ الذي طالما كان يهدّىء من رَوْعه لمّا يثور عليه المتغطرس. عمّ سعيدٍ يا سلام على عمّ سعيدٍ!. الذي لم يشتكِ أبدًا من أبي سِنة. ابتسامته الشاحبة على وجهه الأسمر المتغضن وصباح الفل هي كل تعابيره. الوحيد الذي طالما أغدق عليه أبو سِنة من جيبه بلا حساب. بالطبع رأى فيه أبو سِنة العاملَ المثاليّ. صموت. راض. ينفذ أوامره بحذافيرها بسرعةٍ مع تمام الحرص على مصلحة العمل.
حتى عندما كان أمجد يناديه باسمه مجرّدًا كان يهرول مسرعًا. لعل منظر أمجد أمام آلة النقد كان يذكره بأبي سِنة على طول الخط.
سحقا لأمجدَ هذا!. يوسُف مغضب يسير ناظرًا إلى الأرض تارة وإلى النعش أخرى. إنّ أمجد يلهو ويلعب بينما لا يحتاج إلى العمل. حتى عمله سهل للغاية. يجلس على كرسيّ يحصّل فلوسًا ويضرب أزرارًا خرقاء ليقبض آخر الشهر مرتبًا غضا طريًا.
قال يوسُف في حَنق بالغ:
- أشعر أننا كلاب!..أمجد يُفطِر على لحم هنيء مريء!.
إن أمجد يشبه أبا سِنة..بل هما واحد!.

15

كم تتمنى زُهرة أن تعمل على آلة النقد. عمل مريح لا مَسْح فيه ولا ابتذال. على الأقل ستكون واجهة المحلّ وستقابل كل زبون. أمجد هذا في نعمة لا يعلم مقدارها. كم هو سهل عمله!. تجلس طوال اليوم وتقبض راتبًا آخر الشهر. يا سلام يا عم!.
لا تستطيع عرض الأمر على أبي سِنة. يُخيّل إليها أنه لا يراها إلا في المطبخ. إن معها دبلومًا لو يعلم أنها تستطيع أن تقف خلف آلة النقد ببراعة ما دوّخ باله وبحث عن الذي يسوي والذي لا يسوي ليعمل عليها.
إنّ أبا سِنة رجل طيّب ولكنه حادّ الطباع يصيح بها وبزميلاتها كثيرًا. لا يعطي أحدًا فرصة يتكلّمَ. على كلّ هو ربّ عملها وعليها تحمّله. الحمد لله.

16

قرّر أمجد ترك العمل. أخذ قراره هذا في لحظة صفاءٍ مع نفسه نادرة الحدوث هذه الأيام. كان يجلس ملولا في عمله هذا دون بهجة أو متعة. حتى في اليوم الذي عرف فيه كيف يؤنس إملاله بمطالعة الجريدة كرمشها أبو سِنة أمام ناظريْه. ثمّ لمَ يُتعب نفسه بالعمل ووالده ما زال عائشا عائلا له!؟.
إنّ الحياة العمليّة صعبة صعبة كما رأى فلمَ يتعجّلُ خوضها!؟.
كان الشاب الذي يعمل مكان أمجد ليلا خرّيج حقوق منذ عدّة سنواتٍ. عمل شوطا من حياته في المحاماة بعد تجربة الجيش القاسية ثم تركها. قال لأمجد إنّ المحاماة مهنة قذرة!. رشاوى
وانعدام ضمير وتزلف مقيت. خذ من القانون علمًا فقط كما نصحه.
هذه البلدة شاطرة في وضع القوانين وسنها. لكن التطبيق؟. صباح الفل!.
لم يذهب هذا اليوم إلى العمل. بل ذهب في السّاعة الرّابعة حيث يراجع أبو سِنة حساب النهار في مدخل عمارته. سلّم على بعض زملائه ريثما ينتهي أبو سِنة من المراجعة. كانوا حزينين لرحيله. سعيد ذو الخمسين عامًا صافحه وظلّ ممسكًا بكفه حتى تعرّقت يد أمجد فسحبها. زُهرة اتخذت مكانا قصيًا مراقبة إيّاه. يوسُف سأله في خبث ونظرة طالما لم تعجب أمجد:
- أستترُكنا!؟.
كان أمجد يتذكر المواقف السّعيدة القليلة في مطعم أبي سِنة. يتذكّر لمّا سألته زبون شابة عن بطاطس بالمايونيز!. ضحك وأخبرها بوجود بطاطس بالطحينة!!.
ولمّا قالت زُهرة له:
- نِفسي أعمل هنا على الماكينة!.
فقال لها في ظرفٍ أعجبه:
- عمرك!.
فتح حمدي أبو سِنة بوّابة عمارته وهو يدخل الفلوس في جيبه. رأى أمجد. دنتِ المواجهة.
قال أمجد في حزم قاطع:
- أستاذ حمدي!..أريدك على انفراد.
سأله حمدي عن سبب غيابه. أخبره أمجد أنه الملل.
تقاضى أمجد حساب الأيام التي عملها إلا يومًا لم يحتسبه أبو سِنة بحُجّة أنّ أمجد كان ما يزال يتدرّب.
لم ينس أبو سِنة توجيه النصح لأمجد:
- انس كلّ ما تعلّمته من أبويْك في البيت..وأقبل على الحياةِ العمليّة!.
ابتسامة أخيرة ورحل بهدوء. ولمّا خرج من العمارة شعر بالحريّة. أنّ بإمكانه التنفس بتلقائيّة.


17

بقلبٍ نابض بالأنغام. بصدر رحب بالأحلام عمل يوسُف في أول يوم بعد إعادة افتتاح المطعم على يد ابن أبي سِنة.
كان يجهّز شَقة خبز لزبون وابتسامة تعلوه. الوجه الذي طالما تجهّم من صراخ أبي سِنة. وضع طعميتيْن في الشُقة. أتبعهما بالسّلطة. والآن لا بأس من بعض الطحينة. يهمّ بغلق الشّقة...
تراجع إلى الوراء في ذعر لا محدود. اتساع عينيه وانقباض قلبه وضيق صدره كان لهم ما يبررهم.
الشقة بمحتوياتها كانت غرقى في الدّماء!.

18

في أواخر القرن الماضي افتتح حمدي أبو سِنة مطعمه ومقهاه. ظلّ واقفا أمامهما يوم الافتتاح تتلألأ أضواؤهما على وجهه المُدوّر..فيضحك كطفل بلعبة. ها قد حقق حُلمه أخيرًا وصار له عمله الخاص. لن تكون لأحدٍ مِنة عليه. بل ستكون مِنته على الجميع ههنا. كل من يعمل بين يديه سيظلّ مدينًا له طوال حياته. ولا غرْوَ فهو ربّ العمل ومالك المال.
ستكون سيرته حسنة لدى الجميع. سيكون محبوبًا كسليل أمير. قدوة شريفًا. كريمًا عطوفا.
يريد أن يكون مُعلّمًا...
وسيكون!.

19

يا سلام!. عندما ترفل كلّك في سلام نفسيّ عزيز. عندما تحسّ أنك ولدت من جديد. أخذتَ فرصة أخرى..عكس كثير من الناس.
كان أمجد يسبح في نهر شارعه باطِرًا. في يده اليُمنى كنز (بيبسي ماكس max) وفي يده الأخرى فراغ جيب بنطاله الـ(بيرمودا).
من بعد هجره أبي سِنة لم يسأل عنه كما طلب منه الوغد بابتسامةٍ لزجة. كان يمقته أشدّ ما يكون المقت. بضعة أشهر وينساه. هذا ما أقنع نفسه به.
همّ بأن يرشف رشفة من فتحة كنزه لمّا ارتاع من هَوْل أبي سِنة أمامه يخزن أجولة البصل بمناسبة الصّيف قرب منزله لم يفعل!.

تمّت بحمدٍ من الله وفضل ومِنةٍ

جمادى الآخر 1428
وكتبها أحمد منتصر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ammymsi.ektob.com
Nesho
Admin
Nesho


ذكر عدد الرسائل : 42
العمر : 36
محل الإقامة : المنصوره
الوظيفة : طالب الى حد ما
تاريخ التسجيل : 31/08/2007

أبو سِنة (رواية قصيرة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو سِنة (رواية قصيرة)   أبو سِنة (رواية قصيرة) Icon_minitimeالأحد سبتمبر 02, 2007 2:38 pm

السلام عليكم ورحمة الله


كما قلت لك من قبل ..
القصه جميله وسر جمالها ..

الاحداث التى تشى بواقعيتها وبعدها عن الخيال !



تحياتى


pirat
Nesho pirat
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.rewyat.com
أحمد منتصر
أعضاء
أحمد منتصر


ذكر عدد الرسائل : 82
العمر : 38
محل الإقامة : طنطا-مصر
الوظيفة : كاتب
تاريخ التسجيل : 01/09/2007

أبو سِنة (رواية قصيرة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبو سِنة (رواية قصيرة)   أبو سِنة (رواية قصيرة) Icon_minitimeالأحد سبتمبر 02, 2007 4:06 pm

شكرا يا نيشو يا عسل على المرور والترجيع..قصدي التشجيع Razz .

lol!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ammymsi.ektob.com
 
أبو سِنة (رواية قصيرة)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
dove l'amore :: (القسم الأدبي ..) :: منتدي القصص طويلة / قصيرة ..-
انتقل الى: